U3F1ZWV6ZTQzNTUwNjc2NzQ5ODk1X0ZyZWUyNzQ3NTUzMjc1ODQwMg==

التعديل والتعديل الذاتي للإعلام في تونس-الهرم المصرى نيوز


 

بقلم فاتن الحويمدي صحفية وباحثة في علوم الإعلام والاتصال  

مسار تعديلي مشحون بالعراقيل 

مقدمة :   لقد عرف الإعلام التونسي نقلة نوعية بعد 14 جانفي 2011  مع تنوع المشهد الإعلامي وظهور قنوات وإذاعات خاصة ومع   تزايد الدعوات المطالبة بضرورة ترسيخ حرية التعبير والتأكيد على ضرورة إصلاح قطاع الإعلام في تونس وإعادة هيكلته وتعديله تماشيا مع التقدم الحاصل في مستوي حرية التعبير . كل هذه المؤشرات مثلت أرضية هامة لبروز بوادر جديدة تسعي إلى ضمان إستقلالية الإعلام وتخليصه من هيمنة أي طرف كان وخاصة السلطة  السياسية إضافة إلي إرساء مشهد إعلامي متنوع ومستقل يقطع مع عقود طويلة اتسمت بإحكام رقابة الدولة على الإعلام وهيمنتها عليه من خلال وزارة الإتصال  ومن هنا تتنزل أهمية التعديل والتعديل الذاتي في مجال الإعلام ويمكن تعريف التعديل بأنه تدخل يهدف إلى تقويم نشاط ما عند الضرورة من أجل تطويره وتحقيق إستقراره أما بالنسبة إلي التعديل فى مجال الإعلام فإنه يرتكز على قاعدة أساسية وهي ضمان حرية التعبير والتواصل من خلال وسائل الإعلام السمعية والبصرية وهو يؤكد على إحترام هذه الوسائل لالتزاماتها المهنية والأخلاقية التي تحول دون المبالغة في هذه الحرية وقد أشار المرسوم116 لسنة 2011 المتعلق بحرية الإتصال السمعي البصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للإتصال السمعي و البصري   إلى المبادئ التي تحدد هذه الالتزامات حيث ذكرها في الفصل الخامس واعتبرها أساسا لممارسة الحقوق والحريات وتتمثل أساسا في إحترام المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة ، حرية التعبير ، المساواة ،التعددية فى التعبير عن الآراء والأفكار والموضوعية والشفافية . إن هذه المبادئ التي تشكل الإطار العام لعملية التعديل في بلادنا هي مباديء أساسية معمول بها في التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال ويعتبر الإعتراف بها قانونيا من أهم المنجزات في مسار إصلاح الإعلام بعد الثورة وتتأتي هذه الأهمية من السياق التاريخي حيث إتسم الإعلام السمعي البصري في بلادنا في جميع مراحل تشكله منذ بناء الدولة الوطنية سنة 1956 بعدم إستقلاليته وتبعيته للسلطة الحاكمة فإختيار التعديل منهجا للإصلاح وفقا للمبادئ الدولية المتعارف عليها هو نتاج تشخيص لمرحلة تاريخية سابقة وضع فيها النظام السياسي يده على الإعلام ووظفه لخدمة مصالحه وجعل منه آلية للإستمرار في السلطة وإلى جانب آلية التعديل التي تهدف إلى إصلاح المشهد الإعلامي وفق أطر قانونية ظهر كذلك التعديل الذاتي كبادرة من بوادر إصلاح الإعلام في تونس ضمن أطر أخلاقية إيتيقية ويمكن تعريفه بأنه جملة من الآليات التي تمكن الصحفيين من تأطير ممارستهم المهنية داخليا ودون تدخل أي طرف خارجي خاصة السلطة السياسية القائمة حيث يعمل الفاعلون في الحقل الإعلامى من أصحاب مؤسسات إعلامية وصحفيين على تحديد جملة من المبادئ والقواعد المؤطرة لسلوكهم ويلتزمون بها عن طواعية . أي أن الفرق بين التعديل والتعديل الذاتي للإعلام أن الأول يبني وفق أطر قانونية و يحدث من قبل الدولة أي أن الدولة تفوض جزء من صلاحيتها لهذا الهيكل التعديلي في  حين أن التعديل الذاتي يبني وفق أطر أخلاقية وإيتيقية أي أنه مربوط بالقناعة الذاتية للصحفي و يضعه المهنيون ذاتهم فماهي  التحديات والعراقيل التي عرفتها هذه الهياكل التعديلية ؟



سندرس من خلال هذا المقال آليات التعديل والتعديل الذاتي للإعلام وأهم الأهداف التي جاءت من أجلها ثم سنتناول بالتحليل التحديات والعوائق التي شهدتها هذه الهياكل التعديلية خلال أداءها لمهامها   في ظل دولة رافضة لثقافة التعديل ولازالت تعمل علي إحكام رقابة الدولة على الإعلام  ونظرا لخصوصية المنظومة الإعلامية التي هي  بذاتها غير متشبعة بثقافة التعديل .  

-I-اليات التعديل والتعديل الذاتي للإعلام في تونس:  

1 - آليات التعديل :


إن فلسفة التعديل ضمن هياكل مستقلة عن السلطة التنفيذية هي في الحقيقة مستلهمة من تجارب ديمقراطية عريقة في الدول الغربية تسعي إلى ضمان إستقلالية الإعلام وإنطلاقا من هذا التصور  لإستقلالية الإعلام فإن التعديل يسعى بحسب ورقة بحثية صادرة عن منظمة سوليدار تونس إلى : 

- ألا يكون الإعلام منبرا لوجهة نظر الدولة بسلطاتها الثلاث وخاصة التشريعية والتنفيذية تجاه القضايا الإقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المدنية أو السياسية لكنه في نفس الوقت معني بالإخبار عما تقوم به الدولة في مختلف المجالات دون تحديد موقف معين من ذلك . 

- ألا يكون الإعلام منبرا للحكومة بمعني السلطة التنفيذية التي يتحكم فيها حزب معين أو مجموعة من الأحزاب حتي يتأتى الإبتعاد عن إحتواء الحكومة أو حزبها أو أحزابها له وحتي يتمكن من تجسيد الحياد للازم تجاه العمل الحكومي وتجاه أحزاب الحكومة 

- ألا يكون الإعلام منبرا لحزب معين أو لمجموعة من الأحزاب المعارضة للحكومة حتي يبقي بعيدا عن الانحياز لأي طرف كان . 

وفي هذا الإطار أنشئت هياكل تعديلية تسعي إلي ضمان هذه الاستقلالية بمقتضي نص قانوني ونذكر منها الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري التي أنشئت في 3 ماي2013  بمقتضي المرسوم 116لسنة 2011مؤرخ في 2 نوفمبر 2011المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وهي تكتسي طابعا عموميا باعتبارها هيكلا ينتمي إلى مؤسسات الدولة وتتمتع بالإستقلالية المالية والإدارية .تضطلع الهيئة بوظيفة تعديلية بالأساس ويتمحور عملها حول مسألتين أساسيتن هما ضمان حرية التعبير في إطار إحترام الضوابط القانونية من جهة وتعدد وسائل الإعلام من جهة ثانية ويكون ذلك عبر مراقبة مضامين تلك الوسائل على أساس المعايير المهنية والأخلاقية كما وردت في المواثيق الدولية والتجارب الديمقراطية الرائدة وعلى أساس المباديء التي وضعها المرسوم عدد 116 لسنة  2011

وتسهر الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري وفق الفصل 51من المرسوم116 المنشئ لها علي تعديل المشهد الإتصالي السمعي البصري إستنادا إلى المبادئ التالية : 

دعم حرية التعبير وحمايتها ودعم  الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون 

دعم قطاع الإتصال السمعي البصري الوطني العمومي والخاص والجمعياتي والسهر على ضمان جودته وتنوعه 

دعم حق المواطن في الإعلام والمعرفة من خلال ضمان التعددية والتنوع فى البرامج المتعلقة بالشأن العام 

تجنب التركيز في ملكية وسائل الإتصال السمعي البصري وإرساء تقاليد منافسة نزيهة في القطاع 

إرساء مشهد إعلامي سمعي بصري تعددي ومتنوع ومتوزان يكرس قيم الحرية والعدالة ونبذ التميز على أساس الأصل . 

ويضطلع هذا الهيكل التعديلي بإختصاصات رقابية وتقريرية نصت عليها الفصول 51 و 16 و71 و 81من المرسوم 611

وحسب الفصل 7من المرسوم تسير الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري هيئة جماعية تتكون من تسع شخصيات مستقلة مشهود لها بالخبرة والكفاءة والنزاهة في مجالات الإعلام والاتصال وهي : 

عضو  يعينه رئيس الجمهورية بعد إستشارة أعضاء الهيئة ويتولى مهام الرئيس 

عضوان : قاض عدلي من الرتبة الثانية على الأقل ومستشار من القضاء الإداري تقترحهما الهيئة المهنية الأكثر تمثيلا للقضاة ويتولى هذين القاضين مهام نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري العمومي 

عضوان يهيئان باقتراح من الهيئات المهنية المهنية الأكثر تمثيلا للصحفيين 

عضو يعين باقتراح من الهيئات الأكثر تمثيلية لأصحاب المنشآت الإعلامية الاتصالية 

عضو يعين باقتراح من الهيئات المهنية الأكثر تمثيلا للمهن السمعية البصرية .  وللإشارة فإن هذه الهيئة ستفوض مهامها إلي الهيئة الدستورية للسمعي البصري التي نص عليها الباب السادس من الدستور . 

إلى جانب الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري التي تمثل هيكل تعديلي انشئ بمقتضي قانون نجد آليات أخري للتعديل وهي كراسات الشروط التي تجسد الضوابط الهامة لتأطير أنشطة وسائل الإعلام مع ملائمتها لخصوصيات المشهد السمعي البصري فهي ترسم التوازنات والترتيبات الضرورية وتؤطر سير العمل بشكل يضمن جودة المواد المقدمة وهي كذلك تدعم القطاع الإعلامي عبر تأمين إستقلالية الخط التحريري للقنوات وضمان شفافية تعهداتها وتنوع مضامينها لذلك قامت الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري وفقا للصلاحيات الممنوحة لها بمقتضى الفصل61 من المرسوم 611بإعداد كراسات الشروط وإصدارها ووضع إجراءات شفافة لدراسة ملفات الترشح ثم منج الإجازات . 

و في 6مارس2014  أصدرت الهيئة أربع كراسات شروط تضبط شروط منح الإجازات لبعث وإستغلال القنوات التلفزية والإذاعية الخاصة والجمعياتية والتي يتعين على كافة وسائل الإعلام إعتمادها لنيل أو تجديد إجازاتها . كما تضبط هذه الكراسات حقوق وواجبات مختلف الفاعلين في المجال السمعي البصري . 

وترتكز كراسات الشروط على ثلاث محاور أساسية : 

أولا الشروط التي يجب إحترامها للحصول على إجازة البث 

ثانيا الالتزامات التي لابد أن يلتزم بها الحاصل على الإجازات و تتمثل أساسا في الشفافية المالية وإحترام المباديء الأخلاقية واحترام الملكية الأدبية والفكرية 

ثالثا طرق ممارسة الهيئة لدورها التعديلي بما في ذلك المراقبة والعقوبات . 

وتتدرج كراسات الشروط في إطار منظومة تعديلية متكاملة تديرها الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري تهدف بالأساس إلى دعم قواعد الشفافية في وسائل الإعلام السمعي البصري وضمان التعددية واحترام المقاييس المهنية . 

2-  آليات التعديل الذاتي : 

إلي جانب آليات التعديل التي تم إحداثها من قبل الدولة لتحقيق التوزان في المشهد السمعي البصري وفق أطر قانونية بادرت نقابة الصحافة ومهنين إلى إنشاء هياكل تعديلية ذاتية متمثلة أساسا في مجلس الصحافة الذي يعتبر  أول مجلس صحافة مستقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يحدث من قبل المهنين وليس الدولة مثل مجلس الصحافة المغربي وقد مثل إحداث هذا المجلس إنجازا هاما في مسار إصلاح الإعلام في تونس منذ ثورة 2011ويأتي إحداث مجلس الصحافة في سياق تصاعد فيه نسق إنتشار الأخبار الزائفة وانتهاك أخلاقيات المهنة الصحفية وقد لعب مجلس الصحافة منذ إحداثه فى 2020دور محكمة الشرف للصحفيين من خلال سعيه إلى الدفاع عن حرية الصحافة وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومة واعتماد الممارسات الصحفية الجيدة وأخلاقيات الصحافة . إنطلق مسار مجلس الصحافة منذ 2012حيث بادرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين باقتراح هذا المجلس وضمت أولي الجلسات التشاورية ممثلين عن أصحاب المؤسسات الصحفية كما لقيت هذه المبادرة دعما من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين عن طريق تكوين جمعية لدعم مجلس الصحافة وفي 2020تم تبني الفكرة وتفعيلها . يمثل مجلس الصحافة هيكل تعديلي ذاتي تشتغل وفقه مدونة أخلاقيات المهنة التونسية والتي تعتبر مرجعا في السياق التونسي وتضم جملة من الحقوق والواجبات التي يلتزم بها الصحفي عن طواعية ومن بين الواجبات التي وردت في مدونة أخلاقيات المهنة : 

- يدافع الصحفي عن حرية المعلومة وعن حق التعليق و النقد دون قصد الإضرار 

- يلتزم الصحفي بواجب الأمانة الفكرية 

- يتعين علي الصحفي إحترام الحظر ويعفي منه في صورة إفشاء معلومة من مصدر ثان 

- يتجنب الصحفي كل الوضعيات التي تضعه أمام تضارب المصالح  

كما نصت مدونة أخلاقيات المهنة المنبثقة عن مجلس الصحافة علي جملة من الحقوق التي يتمتع بها الصحفي : 

-يتمتع الصحفي بالحق في إستعمال شرط الضمير أي من حق الصحفي مغادرة المؤسسة الإعلامية  عندما لا تحترم أخلاقيات المهنة وهو حق مرتبط بالقناعة والإرادة الداخلية للصحفي أي أنه يمثل مسألة ذاتية 

- يتمتع الصحفي بالحق في الصورة ... 

وتضم تركيبة مجلس الصحافة ثلاث أطراف ممثلين عن الصحفيين وأصحاب وسائل الإعلام والمجتمع المدني وتم إختيار أعضاء مجلس الصحافة من قبل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجامعة التونسية لمديري الصحف والجامعة التونسية لمديري الصحف والنقابة العامة للإعلام التابعة للإتحاد العام التونسي للشغل والغرفة النقابية لأصحاب التلفزات الخاصة والرابطة التونسية  لحقوق الإنسان ويضطلع مجلس الصحافة حسب مشروع القانون الأساسي بالأدوار التالية : 

- تلقي التشكيات والنظر بشأنها 

- إقامة دورات تكوينية للصحفيين 

- تكريس صحافة الجودة 

- المساهمة في صياغة السياسة العمومية للإعلام ضمن أطر أخلاقية 

- نشر قيم الحرية   

إلى جانب مجلس الصحافة  ظهرت في البلاد التونسية آليات أخري للتعديل الذاتي نذكر منها لجنة أخلاقيات المهنة الصحفية التابعة للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والتي تعاضد مجلس الصحافة في تلقي التشكيات والنظر فيها وتلعب دور هاما في ضمان الإلتزام بأخلاقيات العمل الصحفي 

كما ظهرت في البلاد التونسية آليات أخري سعت إلى التعديل الذاتي نذكر منها بالأساس ميثاق الشرف الذي يعتبر بمثابة الترجمة المادية والمعنوية للمبادئ الفلسفية للأخلاقيات فقدر صدر ميثاق شرف الصحفيين التونسيين سنة1983 وبداية التفكير فيه بدأ منذ1977 وقد تميزت هذه الفترة بالدعوات الداعية إلى إرساء نظام إعلامي جديد 

ومن ثمة بدأت المؤسسات الإعلامية تنخرط في هذه المنظومة الطوعية من خلال إرساء مواثيق شرف خاصة بها مثال ميثاق شرف الإذاعة  الوطنية .. ميثاق شرف موزاييك وبدأت ثقافة التعديل الذاتي و الداخلي تجد رواجا لها في تونس فظهرت آليات أخري للتعديل الداخلي نذكر منها هيئات التحرير التي   تمثل فضاء للنقاش يتم بصفة دورية ويجمع رئيس التحرير بالصحفيين ويقومون بنقد العمل الفارط من أجل مزيد تعديل الأخطاء والاخلالات المنجزة سابقا . كما يمكن  خلال هذا الإجتماع للصحفيين نقد بعضهم البعض . ظهرت كذلك في بعض المؤسسات الإعلامية الموفق الإعلامي كآلية من آليات التعديل الداخلي ويمثل شخصية مشهود لها بالخبرة تمثل المؤسسة الإعلامية للجمهور والجمهور للمؤسسة الإعلامية كما ظهر مرصد الصحافة الذي يندرج ضمن آليات التعديل الذاتي وهو هيكل مناسبتي يعمل وفق آليات لرصد تجاوزات المشهد الإعلامي وينشرها للجميع مثل المرصد الذي قامت به نقابة الصحفيين للتعريف بالممارسات الخاطئة للجرائد التونسية 

مرصد نقابة الصحفيين متعلق بتغطية العمليات الإرهابية . 

-II التحديات والعراقيل التي عرفتها الهياكل التعديلية في تونس :  

1- االعراقيل التي واجهت التعديل :

تعاني ثقافة التعديل والتعديل الذاتي في تونس من عدة تحديات وعراقيل نظرا لإرث تميز بتغيبها كليا ونظرا للسياق الإنتقالي فرغم ما تحقق فيه من خطوات وتصورات مهمة مازالت الأطر القانونية والأخلاقية المنظمة للمشهد الإعلامي والحامية لحريته لم تترسخ بشكل نهائي .

ومن اهم التحديات التي عرفها المسار التعديلي في تونس المبادرات التشريعية التي لا تهدف إلى إصلاح القطاع بقدر سعيها إلى إخضاعه و صد المسار التعديلي  من أجل  السيطرة على الهيئة العليا  المستقلة للإتصال السمعي و البصري وإعطاء الغطاء لوجود قنوات تلفزية وإذاعية غير قانونية إذ نجد قنوات إذاعية وتلفزية خارجة عن القانون لكنها تبث بصفة عادية رغم قرارت حجز المعدات ووقف البث الصادرة عن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري . ومن بين هذه المبادرات نذكر مقترح قانون يتعلق بتنقيح المرسوم 611 تقدم به  11 نائبا عن كتلة إئتلاف الكرامة  يوم 4ماي 2020 بمقترح قانون يتعلق بتنقيح المرسوم611 لسنة 2011المتعلق بحرية الإتصال السمعي البصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للإتصال السمعي والبصري وأحال مكتب مجلس نواب الشعب هذه المبادرة على أنظار لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية مع طلب إستعجال النظر وقد شمل التنقيح الذي تقدمت به كتلة إئتلاف الكرامة نقطتين الأولي تتعلق بتجديد تركيبة مجلس الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري من خلال تعديل الفصل7 من المرسوم 611أما االتنقيح الثاني فيتعلق بإضافة فصل جديد للمرسوم ويتم بمقتضاه إحداث قنوات تلفزية من خلال تصريح لدي الهيئة عوضا عن إسناد إجازات البث وفق كراس الشروط كما يدعو الفصل إلي إلغاء التراخيص فيما يتعلق بإحداث القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية  . فيما يتعلق بالتنقيح الأول فإن الفصل 7من المرسوم 611حدد مدة عمل مجلس الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري ست سنوات غير قابلة للتجديد على أن يتم تجديد ثلث أعضاء الهيئة كل سنتين بالتناوب وقد تأسست الهيئة وبدأت نشاطها الفعلي يوم 3ماي  2013مما يعني أن عهدتها إنتهت منذ 3ماي 2019ولكن إزاء الفراغ التشريعي وعدم إرساء هيئة الإتصال السمعي البصري المنصوص عليها بالدستور لا يمكن إنهاء مهام الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري (الهايكا) دون  أن تفوض مهامها للهيئة الدستورية الدائمة خاصة وأن الدستور ينص في باب الأحكام الانتقالية على مواصلة عمل الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري إلي حين إنتخاب الهيئة الدستورية . 

ومن المعلوم أن أعضاء الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري لم يتم إنتخابهم من السلطة التشريعية وإنما تم تعينهم من هيئات مهنية قضائية وإعلامية فيما ينص الدستور في فصله 512على إنتخاب الهيئات الدستورية بأغلبية معززة أي ما لا يقل عن514 نائبا لكن مبادرة إئتلاف الكرامة تدعو إلي إنتخاب أعضاء الهيئة المرتقبة من البرلمان بالأغلبية المطلقة أي ما لا يقل عن910 نائبا ويبدو أن غاية أصحاب المبادرة التشريعية هي التخلص من الأعضاء الحاليين لأعضاء الهايكا إذ إعتبر نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري عمر الوسلاتي أن الإختيار المتحزب لأعضاء الهايكا سيضرب التنوع ويكرس مشهدا سمعيا بصريا علي المقاس    . أما التنقيح الثاني فيتعلق بإلغاء التراخيص على إحداث الإذاعات والهيئات وعللت كتلة إئتلاف الكرامة هذا الأمر في وثيقة شرح الأسباب المتعلقة بالمبادرة التشريعية بأن الحصول على إجازة بث لبعث قناة تلفزية غير مبرر مطلقا ولا يمكن تفسيره سوي برغبة بعض الجهات الهيمنة السياسية أو المالية على المشهد التلفزي وبمقتضي الفصل 61من المرسوم 611فإن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري هي من تتولي البث في مطالب منح الإجازات المتعلقة بإحداث وإستغلال منشآت الإتصال السمعي البصري كما تتولي أيضا ضبط كراسات الشروط وإتفاقيات الإجازة الخاصة لمنشآت الإتصال السمعي البصري وإبرامها ومراقبة إحترامها وذلك لتكريس مشهد إعلامي متنوع ومتوزان يخضع إلي القانون دون سواه ويضمن المساواة التامة بين مختلف الفاعلين في المشهد السمعي البصري . وهو ما جعل الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري تصدر  بيانا إستنكرت فيه هذه المبادرة التشريعية التي تهدد حرية الإعلام وإستقلاليته .  وأكدت أن هذه المبادرة التشريعية تتعارض مع أحكام الفصل 814من الدستور الذي ينص على مواصلة الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري أعمالها إلي حين إنتخاب هيئة الإتصال السمعي البصري كما دعت إلي ضرورة سن قوانين أساسية عوضا عن المراسيم واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية وأعتبرت الهايكا العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري أن هذه المبادرات التشريعية تسعي إلي وضع اليد علي قطاع الإعلام من خلال إخضاع الهيئة التعديلية المستقلة لسيطرة الأفراد ومراكز السلطة . كما تعرضت الهايكا منذ تأسيسها لسلسلة من حملات التشويه قادها مدراء القنوات التي تأسست في عهد النظام القديم والذين يرفضون تسوية وضعيتهم بموجب الإطار القانوني الجديد إذ أن هذا الهيكل التعديلي لم يكن محل ترحيب من قبل عدد من أصحاب القنوات والإذاعات الخاصة التي تأسست في عهد بن علي فقد شنت هذه القنوات حربا علي الهايكا  وضد كراسات الشروط حيث تكتل رؤساء هذه القنوات صلب نقابة لمديري المؤسسات الإعلامية التونسية لصد المسار التعديلي من خلال إقتراح مشروع مضادا لضبط القطاع من خلال هيئة مكلفة بالاعلام السمعي البصري والمكتوب لكن الحكومة رفضته وتجند عدد كبير من السياسين لأشهر عديدة لمهاجمة الهيئة عبر برامج حوارية وتلفزية وإذاعية في وسائل الإعلام الخاصة و نجحوا بفضل هذه التعبئة من جعلها في موقف دفاعي .  إضافة إلى هذه المبادرات التشريعية و محاولة تشويه الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري التي تمثل تحديا كبيرا أمام التعديل في تونس  يواجه تطبيق الإطار القانوني الجديد الذي يقوم علي ثقافة التعديل و تخليص الإعلام من هيمنة الدولة مقاومة شديدة من مختلف القوى السياسية واستمرار العقلية السلطوية الإدارية القديمة فبخصوص الوصول إلي المعلومة نلاحظ ممارسات ترفض الشفافية وتمتنع عن نشر المعلومة كما أن هناك عدة خروقات للقانون ومساس متكرر بحرية التعبير والإعلام ولا تخلو التقارير الدورية لبعض المنظمات مثل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتش والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومراسلون بلا حدود من أمثلة عديدة وحالات مساس بهذه الحريات . 

2- العراقيل التي واجهت التعديل الذاتي :  

واجهت ثقافة التعديل الذاتي في تونس رغم عدم إرتباطها بنص أو إطار قانوني معين عدة تحديات إذ أن تجربة تونس  في مجال التعديل الذاتي تبدو اليوم مهددة في ظل محاولات توظيف الأمن والجيش للضغط علي الصحفيين من أجل قمعهم وهو ما لاحظنه مؤخرا من إعتداءات على الصحفيين قصد توجيههم نحو خرق أخلاقيات العمل الصحفي المنصوص عليها في مدونة الصحافة المنبثقة عن مجلس الصحافة  إضافة إلى ذلك يحاول أصحاب المؤسسات الإعلامية بما أنهم ليسوا من أهل المهنة إلي الضغط على الصحفيين العاملين لديهم من أجل خرق مبادئ أخلاقيات العمل الصحفي وما تنص عليه مدونة أخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف من حقوق وواجبات رغم أن مدونة أخلاقيات المهنة أشارت في حقوق الصحفي إلي حق إستعمال شرط الضمير أي أنه من حق الصحفي مغادرة المؤسسة الإعلامية عندما لا تحترم أخلاقيات المهنة الصحفية إلا أن هذا الحق يصعب تطبيقه واقعيا لأنه مرتبط بالوضعية الإجتماعية الهشة للصحفي إذ أنه كان من المفروض ضمان حقه في ظروف عمل أفضل عندما يقرر مغادرة هذه المؤسسة التي كان يعمل بها بإراداته وقناعته الخاصة لأنها تتنافى مع أخلاقيات المهنة الصحفية إضافة إلي ذلك ليس هناك تبني لثقافة التعديل الذاتي للإعلام من قبل أصحاب المؤسسات الإعلامية إذ أن أغلب هذه المؤسسات ليست لديها مواثيق شرف ولا تحترم مبادئ أخلاقيات العمل كما وردت في مدونة أخلاقيات المهنة المنبثقة عن مجلس الصحافة الذي واجه بدوره عدة تحديات حيث منذ أن دعت النقابة الوطنية  للصحفيين التونسيين  إلي إحداث مجلس صحافة سنة2012 لتعديل ممارسات الصحفيين عرف الكثير من التعثر ولم يتم تفعيله إلا سنة 2020وهو ما يفسر صعوبة القبول بثقافة التعديل الذاتي وتعود أسباب تأخر إرساء مجلس الصحافة إلي عدة عوامل أبرزها رفض بعض المؤسسات الإعلامية  التي تسعى إلى الترويج للصحافة الصفراء أو حتي الصحفيين الذين لهم ماضي في دعم الإستبداد السياسي زمن الرئيس بن علي يناءا علي مصالح مالية لهذه المبادرة إضافة إلي الجدل الحاصل في مستوي تركيبة مجلس الصحافة التي ستتولى مهمة إعداد مدونة أخلاقيات المهنة ومدي إلتزام الصحفيين بهذه التركيبة والالتزام بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في المدونة فوفقا لدراسة أجرها الباحث في علوم الإعلام والاتصال  الدكتور صادق الحمامي علي مدي أربع أيام شملت 136صحفيا تونسيا إذ إعتبر 212منهم أن الصحفيين سيقبلون بمجلس الصحافة كمحكمة شرف لتلقي تشكيات المواطنين بخصوص الإختراقات المسجلة في المؤسسات الإعلامية لكن أغلب الصحفيين قد لا يلتزمون بالواجبات والحقوق المنصوص عليها في مدونة الأخلاقيات ومثلت مسألة تمويل مجلس الصحافة إحدي العراقيل التي مددت المشاورات نظرا لتأثيرها المحتمل علي إستقلالية المجلس . 

بالإضافة إلي ذلك تعاني ثقافة التعديل الذاتي من الإرث الثقيل من التوظيف والتدجين وخنق الحريات . وانعدام ثقافة التعديل والتعديل الذاتي في القطاع الإعلامي التونسي . 


المراجع : 

🔹دستور الجمهورية التونسية 2014

🔹المرسوم 611 لسنة 2011مؤرخ في2  نوفمبر2011 يتعلق بحرية الإتصال السمعي البصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للإتصال السمعي و البصري 

🔹مدونة أخلاقيات المهنة 

🔹مواثيق الشرف 

ورقة بحثية صادرة عن منظمة سوليدار تونس : تعديل الإعلام في تونس : تصورات وأفكار للإصلاح والتطوير . 

🔹ورقة بحثية صادرة عن منظمة سوليدار تونس : تعديل الإعلام .. أي خصوصيات ؟ 

🔹أطروحة الدكتور منجي الخضرواي : التعديل الذاتي : السياقات و التمثلات و الممارسات

🔹مقال صادر عن مركز الجزيرة للإعلام : التنظيم الذاتي للصحفيين .. دفاعا عن الحرية 

🔹مقال صادر عن موقع نواة : تعديل الإعلام السمعي البصري : إئتلاف الكرامة يريد الحد من صلاحيات الهايكا  

🔹 حرية التعبير والإعلام في تونس : النصوص والسياق بقلم مصطفي بن لطيف 


🔹موقع الهيئة العليا المستقلة للإتصال ا


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة